BaSSaM BloG

Hello you all in my blog

كيف تكون شخصية إيجابية


(لا توجد حدود لما يمكنك إنجازه بحياتك، سوى العوائق التي تفرضها على عقلك)
براين ترايسي
في يوم من الأيام، أراد أحد الآباء أن يعلم ابنه الوحيد كيف يواجه مشاكل الحياة وصعابها، فما كان منه إلا أن اصطحبه إلى المطبخ وكان يعمل طباخا ثم ملأ ثلاث أوان بالماء، وأشعل تحتها النار، وسرعان ما بدأ الماء في الغليان.
وفي تلك الأثناء، قام الأب بإحضار جزرة وبيضة وبعض القهوة المطحونة (البن)، ثم وضع الجزرة في الإناء الأول، والبيضة في الثاني، وحبات البن في الثالث.
وأخذ ينتظر أن تنضج هذه الأصناف الثلاثة، وهو صامت تماما، بينما بدأ صبر ابنه الشاب ينفد، وهو لا يدري ماذا يريد أبوه؟ ثم نظر إلى ابنه وقال: يا عزيزي، ماذا ترى؟ أجاب الابن وقد بدأ صبره ينفد: جزرة وبيضة وقهوة.
ابتسم أبوه، ثم طلب منه أن يتحسس الجزرة، فلاحظ أنها صارت ناضجة وطرية، ثم طلب منه أن ينزع قشرة البيضة، فلاحظ أن البيضة باتت صلبة، ثم طلب منه أن يرتشف بعض القهوة، فابتسم الشاب عندما ذاق نكهة القهوة الغنية.
سأل الشاب والده وقد نفد صبره بالفعل: ولكن ماذا يعني هذا يا أبي؟ فقال الوالد وقد ارتسمت على وجهه علامات الجدية: اعلم يا بني أن كلا من الجزرة والبيضة والبن واجه التحدي نفسه، وهو المياه المغلية، ولكن كلا منها تفاعل مع هذا التحدي على نحو مختلف.
لقد كان الجزر قويا وصلبا، ولكنه ما لبث أن تراخى وضعف، بعد تعرضه للمياه المغلية، أما البيضة فقد كانت قشرتها الخارجية تحمي سائلها الداخلي، لكن هذا الداخل ما لبث أن تصلب عند تعرضه لحرارة المياه المغلية، أما القهوة المطحونة فقد كان رد فعلها فريدا؛ إذ أنها تمكنت من تغيير الماء نفسه.
والآن ماذا عنك؟
هل أنت الجزرة التي تبدو صلبة، ولكنها عندما تتعرض للتحديات والصعوبات تصبح رخوة طرية وتفقد قوتها؟ أم أنك البيضة، ذات القلب الرخو، ولكنها إذا ما واجهت الضغوطات والمشاكل، اشتد عودها وأصبحت قوية وصلبة؟ أم أنك مثل البن المطحون، الذي يغير الماء الساخن (الضغوطات والتحديات) بحيث يجعله ذا طعم أفضل؟
قد تبدو لك البيضة عزيزي القارئ نموذجا سليما للتعامل مع الصعوبات، ولكن بقليل من التفكير يتضح لك عكس ذلك.
فالبيضة مع زيادة الضغوطات عليها لا تستطيع الاستمرار في الصمود، ومن ثم تتحطم القشرة وينهار قلبها الصلب تحت وطأة هذه الضغوطات؛ وليس ذلك إلا لأنها تتعامل مع الصعوبات بإستراتيجية رد الفعل، ولم تحاول أن تقفز قفزة خارج الإطار المعتاد، وتغير هي تلك الصعوبات، وتتخذ منها موقفا إيجابيا، وتحولها إلى مصدر للسعادة، ولكنها اكتفت فقط بأن تلعب دور حائط الصد الذي يتلقى الضربات بصلابة وقوة، ولكنها صلابة تنتهي ولو بعد حين.
أما إذا كنت مثل البن المطحون، فإنك تجعل الأشياء من حولك أفضل دائما ومن ثم تتفاعل معها بصورة إيجابية، وكلما زادت الضغوطات لم يزدك ذلك إلا عزما وتصميما على تجاوزها وتحويلها إلى ما ينفعك ويفيدك في عاجل أمرك وآجله.
فكر عزيزي القارئ كيف تتعامل مع أمور الحياة كلها، وهل أنت جزرة أم بيضة أم حبة قهوة مطحونة؟
تعرف عليها:

       
ولكن قبل أن تأخذنا هذه السلسلة في رحلة إلى سماء الإيجابية، لابد من إلقاء الضوء على مفهوم الإيجابية.
فما نعنيه بكلمة الإيجابية أنها تمثل تلك الطاقة الجبارة، التي تتولد لدى الشخص وتملأ عليه كيانه، ومن ثم تدفعه للعمل الجاد الدؤوب، من أجل الوصول إلى الهدف، متخطيا كل العوائق، ومحطما كل الحواجز التي تعترض طريقه.
إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي الخمول، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تكبلها القيود.
الإيجابية ثورة داخل نفس الإنسان إذا حلت قادت وحركت وفجرت الطاقات التي بداخله؛ ليبدع وينتج ويقدم عطاء ليس له حدود.
الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يقنع بتنفيذ التكليف، بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحا وحيوية، تعطي للعمل تأثيره وفاعليته، دون أن يخالطه جفاف أو تبرم أو استثقال.
إذا فالإيجابية هي الصفة التي تجعل المسلم (مقبلا على الدنيا بعزيمة وبصر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرفه وفق هواها، إنه هو الذي يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها.
تماما كبذور الأزهار التي تطمر تحت أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة، لقد حولت الحمأ المسنون، والماء الكدر إلى لون بهيج وعطر فواح ...إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد).
هل فعلا نحتاج إلى الإيجابية؟

       
ربما يبدو السؤال غريبا لك عزيزي القارئ، وستقول: بالتأكيد نعم، ولكننا نحتاج إلى التعرف بعمق وعن قرب على أهمية الإيجابية وحاجتنا الشديدة إليها.
1. أنت ربان السفينة:إن كانت حياتك سفينة، فلابد أن تعلم عزيزي المؤمن الفعال أنك ربانها، وأنت تجلس دائما في قمرة القيادة، ممسكا بدفتها، محددا وجهتها، راسما لخطة مسيرتها، ولكن أنى لهذه السفينة أن تمخر عباب التحديات، وتتجاوز أعاصير المشكلات، دونما وقود يحركها، وهذه الإيجابية تمثل ذلك الوقود.وإن كنت أنت وحدك ربان سفينة حياتك، فإنك بالتالي ستكون محاسبا على ما قدمت فيها أمام الله وحدك أيضا، فكما يقول تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} [مريم: 95]؛ ولذلك كان مدار الثواب والعقاب هو ما قام به كل إنسان، فيأتي يوم القيامة، {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} [النبأ: 40]، فيرى آثار عمله في الدنيا.2. عقيدة ملؤها الإيجابية:{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون: 115]، هكذا استنكر الله عز وجل على هؤلاء الذين ظنوا أن الإنسان خلق سدى، أو أنه خلق للعبث واللهو والمتعة، بل إن هذا الدين قد أتى منذ بزوغ فجره؛ لينثر بذور الإيجابية ، في أرض الإيمان؛ فأنبتت أشجارا، أصلها ثابت، وفرعها في السماء.فخرج من مدرسة الإيجابية صحابة النبي صلي الله عليه وسلم، وأثمرت تلك الشجرة، صحابة عظام، كمثل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ففي أول يوم له في الإسلام، يسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة.وخرجت لنا من تلك الأرض الطيبة ثمرة أخرى، ألا وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، الذي عرض عليه سعد بن الربيع رضي الله عنه أن يقاسمه كل ما يملك، ويطلق له إحدى زوجتيه؛ فتعتد فيتزوجها، فأبت طاقة الإيجابية المتدفقة أن يكون عالة وكلا على مجتمعه، وبدلا من ذلك أعلنها صريحة بقوله: (دلني على السوق).3. من الأحلام إلى الواقع:فأهداف الإنسان هي حبر على ورق، ما لم تتوج بعمل دائب، ومبادرة مستمرة، في سبيل تحويل هذه الأهداف من أحلام تسبح في فضاء الأوهام إلى واقع يسير على أرض النجاح، فكما قيل قديما: (الحكمة أن تعرف ما الذي تفعله، والمهارة أن تعرف كيف تفعله، والنجاح هو أن تفعله).ولذا كان وصف الله عز وجل للشخص السلبي المتكاسل وصفا تنفر منه النفوس، يقول تعالى: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يتسوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} [النحل: 76 ].فصار هذا الكل المتكاسل السلبي كالشخص الأبكم، ولعل كلمة الكل أقسى من كلمة الكسول؛ لأنها تعني أنه ليس كسولا فحسب، بل هو عبء ثقيل على مجتمعه، ولم يكن فقط عبء ببطالته وتوقفه عن السعي في حركة الحياة، بل جعله الله عز وجل شخصا عاجزا عن فعل أي خير، أو تقديم أي نفع، لأن أقصى ما يقدمه لنفسه ولمجتمعه الكلام الكثير والفعل القليل.4. سر الحضارة:فلو كانت الحضارة نهرا جاريا، فإن منبع ذلك النهار هو الإيجابية والفعالية؛ وذلك لأن (المتتبع للحضارة الإنسانية، يجد الإبداع الفردي، والإيجابية الذاتية هما منبع الأفكار المتميزة، وبداية الآفاق الحضارية، فمنذ فجر التاريخ كانت الاختراعات والابتكارات فردية، ابتداء من صناعة العجلة، وحتى الطباعة، والتلغراف، والمصباح، وأشباه ذلك).وليس ذلك مقصورا على حضارات الأمس، بل هو أمر واضح وظاهر حتى في حاضرنا، فإن (الناظر المستقرئ لمدنية اليوم، يظن أنها نتاج حكومات ومؤسسات، إلا أن المتتبع لها، ولبداياتها يعلم أنها ابتدأت بمحاولات فردية، فكثير مما نشاهده من شركات أو مؤسسات بدأت بزماممبادرات فردية، تطورت مع الأيام إلى جماعية) (1).5. فطرة كونية:فتأمل معي عزيزي القارئ في إيجابية تلك النملة التي حكى عنها القرآن، قال تعالى: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير فهم يوزعون} [النمل: 17]، حيث تجمعت جيوش سليمان عليه السلام ثم بدءوا المسير حتى وصلوا إلى وادي النمل.ومن بين جموع النمل المتكاثرة، التي غصت بها مستعمرة النمل، رأت تلك النملة البسيطة هذه الجحافل الجرارة من جيش سليمان عليه السلام، فأبت تلك النملة إلا أن تكون إيجابية، وتدعو قومها وتنذرهم، فصاحت فيهم {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} [النمل: 18].ولم تكن من أكثر النمل قوة ولا بأسا، والدليل على ذلك أن الله عز وجل قد عبر عنها بصيغة التنكير، حيث قال تعالى: {قالت نملة}، فما كانت ملكة النمل، ولا حتى أميرتهم.ما أروع هذه النملة الإيجابية التي حملت هم أمتها، وأدركت خطورة مسئوليتها تجاه مجتمعها، لم تقل: (وما شأني هل سأستطيع وحدي أن أنقذ أمة النمل من هذا الجيش الجرار؟)، بل قامت صائحة معلنة لبني قومها: إن الخطر قادم فأنقذوا أنفسكم، ولم تهرب عندما أحست بالخطر.خارطة الطريق:

       
وسوف يسير بنا قطار الإيجابية خلال هذه السلسلة بين مرحلتين أساسيتين، يحاول في الأولى المرور على العقبات والمعوقات التي تقف في سبيل تحقيق الإيجابية، فيمر بحواجز سبعة؛ ليلقي عليها الضوء، ويرسم كيفية الخروج منها.

       
ثم ينتقل القطار في محطات عشرة، يتزود فيها بالوقود اللازم، لكي يصل إلى وجهته، وينتهي به المطاف إلى هدفه وهو الإيجابية.

       
وفيما بين المرحلتين، قبسنا لك عزيزي القارئ من مشكاة تاريخنا الإسلامي نموذجين من نماذج الإيجابية؛ لتنهل من نبعها، وتتنشق من عبيرها، وتسير على نهجها.
أهم المراجع:1. سلسلة الكتيب الشامل عن الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.2. جدد حياتك، الغزالي.3. سير أعلام النبلاء، الذهبي.4. الإيجابية في حياة الدعاة، د. عبد الله يوسف الحسن.



1 التعليقات:

غير معرف يقول...

thank you

إرسال تعليق